الكيان «الإسرائيلي» غارق في نوع من الخبال، يتكبّب على نفسه تارة، خائفاً مرتعباً من تجدّد الحرب مع المقاومة، لأنّه لا يملك يقين الانتصار فيها، وأخرى يردح بالمواقف التصعيدية مزهواً بقوته، وكأنه في موقع مَن يستطيع تغيير المصائر والأقدار. لا ميزان لتصريحات قادته، خصوصاً نتنياهو، الولد الأرعن الذي يستقوي بوالده الأميركي الذي يهاب من تداعيات محتملة يمكن أن تضرّ بمصالحه وأدواره.
ويأتي الموقف الأخير للأمين العام لحزب الله في العاشر من محرم وطلبه من اليهود العودة إلى البلدان التي أتوا منها،
مناسباً لطبيعة التحوّلات والموازين. فـ «إسرائيل» اليوم قد تمزَّق قميصها وتخرَّق من أكثر من ناحية ولم يعُد بمقدورها، لو اندلعت الحرب، حماية جنودها، فكيف بالسكان المتوقع أن تحاصرهم النيران وحمم المقاومين من البحر والبرّ، ما يجعل إمكانية هروبهم مهمة شبه مستحيلة.
عينا «إسرائيل» المتسعتان كثيراً لا تعكسان قوة بل وجلاً من معركة مفصلية مقبلة. معركة يشيب فيها الصغير ويهرم لها الكبير. معركة ستفقد فيها «إسرائيل» توازنها وسيطرتها على تداعياتها. لذلك المطلوب أن تصل رسالة الأمين العام إلى كلّ يهودي ويعاجل إلى ترك فلسطين قبل أن لا يجد إلا باطن الأرض يستقرّ جسده فيه.
المرحلة المقبلة ليست مرحلة مناورات وإنما مرحلة حسم للصراع. هذا ما أعرفه من سماحة السيد الذي لا يتكلم بكلام إلا بعد يقينه بنتائجه. اليهودي الذي لا يعرف لماذا سيق به إلى هذا المكان، ولا يعلم خبث الصهاينة ومكر المستعمرين، عليه أن يعي أنّ المرحلة الآتية هي مرحلة إزالة الكيان «الإسرائيلي» تماماً. ومَن يخشَ على نفسه عليه أن يبادر إلى الرحيل وعدم الرهان على قادة لا تهمّهم أرواح البشر وإنما مصالحهم وما تبديه رغباتهم. لا مرح بعد اليوم، لا أمان ولا استقرار ولا لبن وعسل. ارتكاب الجرائم ومخالفة القوانين وتجاوز الحدود من دون ردود فعل عربية وإسلامية لم تعد معادلته قائمة. الجديد في المعادلات أنّ المقاومين يستعدّون فعلياً لاستئصال الغدة السرطانية. وستكون الجبهات في سورية ولبنان مفتوحة بالكامل، وسيكون لكلّ شريف ومقاوم فرصة لامتشاق سلاحه والدخول إلى قلب فلسطين المحتلة ومقاتلة الصهاينة.
وكما يُنادى في المطارات على الركاب المتأخّرين بوجوب الاستعجال والالتحاق بالطائرة المغادرة. أطلق الأمين العام نداءه الأخير إلى اليهود والمسارعة الفورية لمغادرة فلسطين. ولا يتوهمنّ أحد منكم أنّ التسويات والمتغيّرات العربية وحركة التطبيع التي تديرها السعودية والبحرين والإمارات ستثبت وجودكم وتعطيكم فرصة زمنية أخرى للبقاء والاستمرار. كلّ ما يحصل وهمٌ وسرابٌ وستذروه الرياح وتجعله ركاماً، ولا تثقوا بقادتكم الذين يزيّّنون لكم بأنّ الأوضاع نحو الأفضل وأنّ العلاقات بينكم وبين بعض الدول العربية الهزيلة ستمكنكم من الحياة بشكل أفضل. الحياة المقبلة في منطقتنا هي الجحيم. وكما في الحديث الشريف «خير البِر عاجله». البِر أن ترحلوا بالطائرة لا بصناديق خشبية!